القائمة الرئيسية

الصفحات

القدوة الحسنة | حياة النبي محمد - المنزل السعيد

مقدمة

في البداية سوف نتحدث عن لمحة مختصرة من حياة النبي محمد "صلي الله عليه سلم" وذلك منذ ميلاده والمواقف التي مر بها ﷺ، ثم نلقي نظرة علي ظروف البعثة، والمعجزات والتي شرفه الله بها، وفي النهاية ما الدروس المستفادة قبل موت النبي وعند وفاته.
النبي محمد صلي الله عليه وسلم

أولا - ميلاده النبي الشريف محمد بن عبدالله ﷺ:

- ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في مكة المكرمة وقت السحر من ليلة الإثنين 12 ربيع الأول سنة 53 قبل الهجرة (الموافق 4/21/ 571م) أي من قبل 1400 سنة. 
وكان أبوه عبد الله أكثر أبناء جده عبد المطلب قربا منه، ومحبة إليه، فاختار له آمنة بنت وهب بن عبد مناف زوجة له، وكانت من أفضل بنات قريش نسبا وحسبا.
- وبعد الزواج بفترة وجيزة خرج عبد الله في تجارة إلى بلاد الشام، ولكنه توفي وهو في طريق العودة عن خمس وعشرين سنة، ودفن في المدينة عند أخوال أبيه من بني النجار، وعلى ذلك ولد محمد ﷺ يتيما. 
وفي هذه السنة حمى الله تعالى مكة المكرمة والكعبة المشرفة من هجمة أصحاب الفيل تكريما له وتشريفا لميلاده ﷺ.
- وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: "سئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم الإثنين، فقال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه أو أنزل علي فيه".

ثانيا - من الابتلاءات التي تعرض لها ﷺ للتأكيد على أن الابتلاءات هي من سنن أصحاب الدعوات

ويمكن حصر جزء منها بشكل مختصر في النقاط التالية:
1- ولادته يتيما.
2- رضاعته في مضارب بني سعد، وعيشه عندهم إلى سن الخامسة.
3- عودته لأمه وصحبتها له لزيارة قبر أبيه في المدينة.
4- وفاة أمه في طريق العودة من المدينة، وعودته في صحبة خادمته إلى بيت جده عبد المطلب في مكة، والذي كفله بعد وفاة أبيه.
5- وفاة جده وهو في الثامنة من عمره وانتقال كفالته إلى عمه أبي طالب، واضطراره إلى رعي الغنم لأهل مكة على قراريط.
6- سفره مع عمه في تجارة إلى بلاد الشام وهو دون الثالثة عشر.
7- عزلته عن المشركين من قومه حتى بلغ سن الأربعين لانشغاله بعبادة فطرية.
8- عمله في تجارة السيدة خديجة، التي تزوجها وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ثم وفاتها في عام الحزن، قبل الهجرة بعام واحد.
9- بعثته الشريفة وتكاليفها الثقيلة، بدءا بالدعوة السرية ثم الجهرية.
10- رفض مشركي قريش لدعوته ﷺ رغم وصفهم له بالصادق الأمين.
11- اضطرار النبي ﷺ إلى الإذن لعدد من أصحابه بالهجرة إلى بلاد الحبشة على مرحلتين.
12- المبالغة في اضطهاد مشركي وكفار قريش للذين أسلموا معه ﷺ خاصة بعد  إسلام عدد من الرموز البارزة فى المجتمع المكي، وأمن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة في مهجرهم، بعد مؤامرة كفار مكة عليهم.
13- محاولة مشركي قريش  قتله ﷺ، الأمر الذي دفع عمه أبا طالب إلى جمع كل من بني هاشم وبني المطلب لمناقشة إمكانية إدخال محمد ﷺ ومن آمن معه في شعب بني هاشم حماية لهم من القتل، فوافقوا على ذلك حمية. وردا على ذلك قرر مشركو قريش حصار الشعب، ومقاطعة المحاصرين فيه مقاطعة كاملة، حتى يسلموا محمدا ﷺ لهم  لقتله، وكتبوا بذلك وثيقة علقوها بداخل الكعبة. إستمر هذا الحصار  لثلاث سنوات، ثم فك بناءا على موقف كريم من زهير بن أبى أمية بعد أن أكلت الأرضة تلك الوثيقة، إلا ما كان قد كتب في مقدمتها وهو «باسمك اللهم».
14- وفاة عمه ابي طالب، ثم موت زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، مما شجع كفار قريش على زيادة اضطهادهم له ﷺ ولكل من آمن بدعوته الشريفة.
15- اللجوء إلى الطائف طلبا للنصرة من أهلها الذين ردوه ردا غير كريم، مما اضطره للعودة إلى مكة، والوقوف في طريق العودة عند بستان لابني ربيعة، والتوجه إلى الله تعالى في هذا الموقف الصعب بالدعاء التالي: 
 "اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، يا أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ".
16- دخوله إلى مكة  في جوار أحد  مشركيها وهو المطعم بن عدي، ثم تآمر المشركين على سجنه أو طرده أو قتله، فأمره الله تعالى بالهجرة إلى يثرب.
17- اضطراره إلى الدخول في قرابة الثلاثين غزوة والستين سرية وبعثا امتدت على مدى ثماني سنوات (من السنة الثانية للهجرة إلى السنة التاسعة منها)، ومواجهته خلال تلك السنين للعديد من الحروب النفسية والقتالية، والمؤامرات والدسائس والحصارالإقتصادي والاجتماعي، والخيانات ونقض العهود والمواثيق، حتى أكرمه الله تعالى بفتح مكة المكرمة في السنة العاشرة من الهجرة. 
18- ابتلاؤه بوفاة جميع أبنائه وبناته في حياته، باستثناء السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها.

ثالثا - من المعجزات والكرامات التي أكرمه الله تعالى بها

يمكن حصر الكرامات والمعجزات في النقاط التالية:
1- شرف نسبه: لقوله ﷺ: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم".
وقال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى".
2- شرف ختم سلسلة الأنبياء والمرسلين جميعا ببعثته الشريفة، ولذلك أقسم الله تعالى بحياته في القرآن الكريم، وذلك بقوله تعالى: *لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِم يعمهون* (الحجر:72).                                      
وفي التعليق على هذه الآية الكريمة قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما خلق الله، وما ذرأ، وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد ﷺ، وما سمعت أن الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره".
3- اختيار مكة المكرمة لتكون موضعا لميلاده الشريف، وقد ثبت علميا أنها أصل اليابسة، وبها الحرم المكي الشريف (أقدم مكان عبد الله تعالى فيه على الأرض) وهي مسكن أبينا آدم عليه السلام، وبذلك التقى فيها ختام النبوة بأولها، تأكيدا على وحدة رسالة السماء وعلى الأخوة بين الأنبياء، الذين حجوا جميعا إلى المسجد الحرام أو سكنوا مكة المكرمة.
4- الإعداد الإلهي لرسول الله ﷺ للقيام بدور خاتم النبوة وآخر المرسلين، وذلك بحفظه من سلبيات مجتمعه المشرك الذي شهد له بحسى الخلق، حتى سمي بالصادق الأمين في ذلك المجتمع الذي كان (في غالبيته الساحقة)  مشركا أو كافرا قد فقد كل صلة بالهداية الربانية.
5- كرامة ليوم مولده أهلك الله تعالى أصحاب الفيل الذين أتوا لهدم الكعبة المشرفة.
6- انشقاق القمر له ﷺ شهادة على صدق دعوته.

7- معجزة الإسراء والمعراج، ومن الدروس المستفادة منها ما يلى

- الإيمان بطلاقة القدرة الإهية التي لا تحدها حدود.
- الإيمان بأن الله تعالى فوق كل من المادة والطاقة و الزمان والمكان.
- التأكيد على مقام رسول الله ﷺ عند رب العالمين سبحانه وتعالى.
- التأكيد على وحدة رسالة السماء، وعلى الأخوة بين الأنبياء، وعلى إمامة رسول الله ﷺ لهم جميعا.
- التأكيد على حرمة كل من الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى.
- التأكيد على فضل عبادة الصلاة فوق غيرها من العبادات.
- التأكيد على أن معجزة الإسراء والمعراج تمت بالجسد والروح معا، وفي حالة من اليقظة التامة.
- التأكيد على ضرورة الإيمان بالغيوب المطلقة التي أوردها كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في وصف معجزةالإسراء والمعراج. 
- إشارة جبريل عليه السلام إلى مكان يثرب وإخبار الرسول ﷺ بأنها ستكون أرض مهجره.

8- بيعتا العقبة الأولى والثانية سنة 11، 12 من البعثة الشريفة تمهيدا للهجرة إلى المدينة.
9- نجاح الهجرة إلى المدينة سنة 13 من البعثة الشريفة، والمعجزات التي تحققت خلالها.
10- نجاح  صلح الحديبية: في يوم الإثنين، الأول من ذي القعدة سنة 6 هجرية، (الموافق سنة 628 م) بعد أن خرج رسول الله ﷺ في ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من الأعراب يقصدون مكة لأداء العمرة التي منعوا من أدائها، وانتهى الأمر بتوقيع هذا الصلح الذي كان بداية النصر للمسلمين.
11- فتح مكة في ليلة الجمعة الموافقة للعشرين من رمضان سنة 8 هجرية.
12- حجة الوداع: والتي فيها تجهز رسول الله ﷺ للحج لما أهل شهر ذي القعدة من العام العاشر للهجرة وأمر المسلمين بالجهاز له،  ثم خرج في 25 من ذي القعدة قاصدا مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، التي عاد من  بعد أدائها إلى المدينة المنورة ليتوفاه الله تعالى فيها بعد واحد وثمانين يوما.
13- شرف نسبه: لقوله ﷺ: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم".

رابعا - وفاته ﷺ:


- أوحى ربنا تبارك وتعالى إلى خاتم أنبيائه ورسله ﷺ بدنو أجله، وجاء ذلك في عدد من الآيات القرآنية الكريمة التي منها ما يلي:

1- *وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ* (آل عمران: 144).
2- *كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ* (آل عمران: 185).           
3- *..اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً...* (المائدة: 3)
4- *إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ* (الزمر: 30).
5- *إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* (النصر: 1).

- ويؤكد ذلك معارضة جبريل لرسول الله ﷺ القرآن الكريم مرتين في آخر رمضان شهده. وانطلاقا من ذلك بدأ رسول الله ﷺ في التلطف بإخبار أصحابه عن دنو أجله، وكانت حجة الوداع وصية رسول مفارق لأمته، فأكثر فيها من التذكير بحرمة الدماء والأعراض والأموال. كما كرر من العبارات ما يوحي بذلك من مثل: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، و "لعلي لا أركم بعد عامي هذا". وقد توفي رسول الله بعد حجة الوداع بإحدى وثمانين ليلة.
- فقد فاضت روحه الشريفة في ضحى يوم الأثنين 12 ربيع أول سنة 11 هجرية بعد أن خاض حوالى 30   غزوة و 60 سرية وبعثة، وقضى 23 سنة في جهاد متواصل حتى أقام للإسلام دولته. وبوفاته ﷺ انقطع وحي السماء، وختمت النبوات، واكتملت الرسالات باكتمال نزول القرآن الكريم وبختام سنته ﷺ. 
- وكان من آخر وصاياه ﷺ: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وأوصيكم  بكتاب الله، وبالصلاة، وبما ملكت أيمانكم، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم وهو يردد: اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، لا إله إلا الله، إن للموت سكرات". وقد توفي رسول الله ﷺ شهيدا، وذلك لأن الله تعالى قد اتخذه نبيا وجعله شهيدا كما جاء في مسند احمد.

خامسا - أهم اللحظات التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. 

فعندما دخل عمر بن الخطاب على جثمان النبي ﷺ في الحجرة الشريفة قال أبيات من الرثاء :
ليس البكاء وإن أطلت بمقنعي * الخطب أعظم قيمه من أدمعي
تالله ما جار الزمان ولا اعتدى * بأجلِّ من ذاك المصاب وأوجعِ
فُقد النبي فأظلمت كل الدنا * والحزن حل بكل قلب موجعِ
ما زال بالقران فينا هاديا * يهدي الأنام بنوره المتشعشع
ثم نظر الى جُثمانه الشريف وقال:
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد كنت تخطب الناس على جذع فلما كثر الناس اتخذوا لك منبرا، فحن ذلك الجذع اليك وبكى حتى وضعت يدك الشريفة عليه فسكت، فأمتك أولى بالحنين اليك". 
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد ذكرك الله بالعفو قبل ان يذكر لك الذنب فقال *عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ...*".
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان الله جعل طاعتك طاعته فقال: *مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ...*".
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان الله ارسلك اخر الأنبياء وذكرك اولهم وقال: *وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا*".
 "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان اهل النار ليتمنون ان يكونوا اتبعوك وهم يعذبون في النار: *يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا*". 
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان كان قد اعطى الله موسى بان ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا، فما ذلك بأعجب من الماء الذي نبع من بين اصابعك".
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان كان الله قد اعطى سليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، فما ذلك بأعجب من البراق الذي ركبته من مكة وصعدت به الى السماوات العلى وعدت من ليلتك وصليت الفجر بالأبطح بمكة المكرمة".
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ان كان الله قد اعطى عيسى ابن مريم احياء الموتى، فليس ذلك بأعجب من الشاة المسمومة التي وضعت بين يديك، وضعتها يهودية ارادت ان تسممك  فقالت لك لا تأكلني فإنني مسمومة". 
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه فقال *...رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا*، وانت قد ضربت واخرجت وشج وجهك وكسرت رباعيتك، و لم تزد على ان قلت (اللهم اهدي قومي فانهم لا يعلمون)، ولو دعوت علينا لهلكنا".
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد تبعك على قصر عمرك  وقلة دعوتك ما لم يتبع نوحا على طول عمره وطول دعوته، فأمن معك كثير وما أمن معه الا القليل". 
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو لم تجالس الا كفأً لك ما جالستنا، ولو لم تواكل الا كفأ لك ما واكلتنا، ولو لم تتزوج الا  كفأ لك ما تزوجت الينا، ولكنك جالستنا و واكلتنا وتزوجت الينا، وركبت الحمار واردفت خلفك، ووضعت طعامك على الأرض تواضعا منك يا سيدي يا رسول الله".

سادسا - أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ:


كان رسول الله ﷺ مثلا أعلى للإنسانية، ما قال لخادم عنده أف قط، ولا حقد على إنسان أبدا. كان يعطف على الصغير والكبير، كما كان يصل رحمه، ويكرم ضيفه، ويحفظ حقوق جاره، كما كان يحمل الكل، ويغيث الملهوف، ويعين على نوائب الدهر، كما كان ﷺ يُكنّي أصحابه ويناديهم بأحب الأسماء إليهم. وكان من عاداته أن يبدأ المسلمين بالسلام، ولا يحتقر إنسانا أيا كان. كان بشوشا مع الناس جميعا، يستشير عقلاءهم في الأمور الدنيوية، ويعلمهم وحي السماء، كما كان يعطف على ضعفائهم بسجية سمحة. كان لا يقطع حديث متحدث، وإذا قاطعه محدثه صمت. كانت جميع أفعاله متطابقة مع أقواله، فكان وفاؤه مضرب الأمثال، فما خفر ذمة، ولا نقض عهدا في حياته، وما غدر بإنسان قط. كان ﷺ وفيّا، كريما، محسنا، عفّ اللسان، صادقا في كل ما يقول، يمزح  ولا يقول إلا حقا.
وكان قد أوتي جوامع الكلم. ينهى عن اللغو ويحبب في معالي الأمور، كما كان حليما، متسامحا، متأنيا في حكمه، لا يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، ولكن يغضب لله تعالى وحده.

كان صبورا محتسبا في كل محنة وشدة، راضيا بقضاء الله وقدره، داعيا إلى الأخوة بين الناس جميعا، لذلك ما أحب أصحابه إنسانا كما أحبوه لنبل خلقه، وكريم طبائعه. ولا عجب في ذلك، فقد اختار الله تعالى له أفضل الصفات الوراثية التي يمكن أن تتوافر في فرد من بني آدم، وأدبه فأحسن تأديبه.

لذلك كان رسول الله ﷺ في قمة البشرية: سلامة صدر، وطهارة نفس، وعظيم خلق، وسُمو سلوك، وحسن فهم لرسالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ولمصيره من بعدها، فصلّ الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعى بدعوته إلى ىوم الدين (اللهم آمين). وجاءت أقواله وأفعاله تدعو إلى الإلتزام بمكارم الأخلاق، ومن ذلك ما يلى:

- قال ﷺ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
- وقال ﷺ: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا". 
- وقال ﷺ: "البر حسن الخلق...".
- وقال ﷺ: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".
- وقال ﷺ: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا".
- وقال ﷺ: "حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في  الأعمار".
- "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله".   
-"إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل". 
-  وكان من عدله ﷺ إقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين. 
وكان ﷺ لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء‏عُرِفَ ذلك في وجهه.
- وقال ﷺ: "يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما، قال بلى يا رسول الله، قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما".  
- وكان أبعد الناس عن الكبر، فكان يقول ﷺ: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله". 
- وكان ﷺ يحذر من الكبر فقال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر". 
 - ومن تواضعه ﷺ أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير، ويقبل الهدية، وكان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط.
وعندما قيل له ادع على المشركين، قال ﷺ: "إني لم أبعث لعّانًا، وإنما بعثت رحمة". 
- كان من دعاء النبي ﷺ: "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، و من ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به".
- قال ﷺ: "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم". 
- وقال ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
- وكان ﷺ أكثر الناس دعاءً، وكان من أكثر دعائه أن يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
- ومع شجاعته العظيمة كان ﷺ لطيفا رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
كان ﷺ أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا. وكان من زهده ﷺ وقلة ما بيده، أن النار لا توقد في بيته في الثلاثة أهلة، عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال لها: "يا عائشة أرفقي،  فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق"، وفي رواية "إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق". 
- و قالت عن خلق رسول الله ﷺ: "كان خلقه القرآن".
- وقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
- وقالت: "كان رسول الله ﷺ يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته"، (يخصف: أي يخيِّط ويرقِّع). 
- وقالت: "ما ضرب رسول الله ﷺ خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". 
- وقالت: "ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم ﷺ لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم". 
وعن أم المؤمنين السيدة  صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله ﷺ".
- عن جابر بن عبد الله قال: "كان النبي ﷺ إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت".
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء". 
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي ﷺ يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير".
- عن أبي أمامة الباهلي قال: "خرج علينا رسول الله ﷺ متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا".
وفي حديث عمرو بن عبسة "أنَّه سأل النبي ﷺ: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: حسن الخلق". 
لذلك امتدح الله تعالى نبيه الكريم ﷺ في العديدمن آيات القرآن الكريم التي منها ما يلي: *وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ* (القلم: 4).
- وقال: *وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ* (الانبياء: 107).
- وقال: *فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ َلهُمْ...* (آل عمران: 159).
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

محتويات الموضوع